قرية صغيره هادئة، في آخر العالم، تحيط بها السفوح الخضراء من كل جهاتها الأربع، يخيل للناظر لها عن بعد أنها قطعة من الجنة سقطت على الأرض، وعلى الرغم من صغر مساحتها إلان أنها كانت قرية ثرية، فكل أراضيها خصبة ونتنج إنتاجاً وافراً كل عام، إلا أنه كان لهذا الخصب استثناء: قطعة الأرض البور في الجهة الشمالية، وكانت تشكل بقعة مربعة جرداء فريدة من نوعها بترابها الأسمر المائل إلى الكدرة بين تلك الأراضي الخضراء، فكأنها تعبس في وجه السماء رافضة تغذيتها بالمطر، ورغم أنها كانت ليست بالأرض الواسعة، حيث أنها أن مساحتها توازي مساحة كوخ صغير، إلا أن أهل القرية كرهوها لعدم استفادتهم منها، وكثيراً ما نعتوها بالملعونة، وفي أحد أكثر خيالاتهم جموحاً زعموا أن أجدادهم قالوا أنها كانت خصبة في فجر التاريخ قبل أن يُدفَن شيطان فيها، حيث كانت الشياطين آنذاك مرئية.
استخدم أهل القرية هذه الأرض كمكان لجمع النفايات وحرقها، ولحرق جثث الحيوانات الميتة، ولم يتجرأ أحد على حفر أرضها خوفاً من اللعنة ومن المجهول..
ثم جاء عام أصابت المحاصيل آفة زراعية اتلفتها عن بكرة أبيها، ولم يبق لأهل القرية محصول للتصدير أو حتى للطعام، كانت هذه ضربة قوية لاقتصاد القرية حيث أمضوا باقي العام معتمدين على المدخرات والاستدانة، وفي الموسم التالي تكررت نفس القصة، آفة زراعية أتلفت كل المحصول، فجن جنون أهل القرية، واحتاروا في أمرهم، ظنوا أن في الأمر عقوبة إلهية، فذهبت مجموعة من كبرائهم لاستشارة حكيم القرية..
مسد الحكيم لحيته وهو يتفرس في وجوههم.. ثم قال: الأرض السمراء.
قال أحدهم: الملعونة؟
رد الحكيم: لا توجد أرض ملعونة، اللعنات تصيب البشر فقط مما كسبت إياديهم.
اذهبوا إليها، واصلحوها ثم اغرسوا بذوركم فيها، فهي ليست بوراً على الإطلاق.
بعد خروج الرجال ترددوا في تنفيذ النصيحة، فبعضهم ظن أن الحكيم يسايرهم وليس لديه حلول، والبعض الآخر خاف من اللعنة، وهناك من ظن أنه لا فائدة أصلاً من زراعة أرض صغيرة، فما حجم المحصول الذي ستنتجه؟ ووسط الجدال قاطعهم أكثرهم حكمة: لماذا لا ننفذ نصيحة الحكيم؟ ماذا سنخسر؟ لا شيء! هل نخاف من اللعنة؟ إن ما نحن فيه الآن هو اللعنة الحقيقية! أنا سأذهب الآن لأنفذ وصية الحكيم، ومن شاء أن يتبعني فليفعل.
بعد ساعة، اجتمع الكل عند تلك الأرض، وبدأوا بالحراثة، لم يمض وقت طويل حتى كانت صيحاتهم تسمع على مدى بعيد، وثمة بريق ساطع تتناثر انعكاساته على سطحها، حيث كانت الأرض مليئة بكنوز من الذهب على امتداد مساحتها، وكانت تلك الصيحات صيحات فرح.
انتهت القصة
وأنت عزيزي القارئ؟ هل لديك بقعة سمراء في حياتك؟
نورا عبدالله
للانتقال للموقع الرسمي اضغط هنا
@peace_nora1